
▪︎ الرباط 08 ▪︎ دجنبر 2025
■ دخل قانون المسطرة الجنائية حيز التنفيذ،إبتداءا من يومه الإثنين 8 دجنبر 2025 الموافق ل 17 جمادى الآخر, 1447 هـ ، متضمنا معه إحدى أوسع الإصلاحات القانونية التي عرفتها المملكة المغربية خلال العقود الأخيرة. ويعيد هذا القانون رسم ملامح العدالة الجنائية في مختلف مراحلها، من التبليغ والشكاية إلى التحقيق والمحاكمة وتنفيذ الأحكام، من خلال مقاربة تقوم على ثلاثة مرتكزات:
□ تعزيز حقوق الدفاع
□ تحديث العمل القضائي
□ تقوية وسائل مكافحة الجريمة.
▪︎ تعزيز الحقوق وضمانات المحاكمة العادلة
ركز القانون الجديد على وضع المتقاضين، وخاصة المشتبه فيهم، في قلب العملية القضائية من خلال توسيع الحماية القانونية وإقرار آليات رقابية دقيقة. فقد أصبح لزاماً على النيابة العامة إشعار المشتكين بالإجراءات المتخذة بشأن شكاياتهم داخل أجل أقصاه خمسة عشر يوماً، كما أُتيح لمن تضرر من قرار الحفظ تقديم تظلّم أمام الوكيل العام للملك. وتم تعزيز دور المحامي بشكل كبير، إذ بات بوسعه حضور الاستنطاق أمام النيابة العامة، وتقديم طلبات بالفحص الطبي، والإدلاء بالوثائق، وطرح ملاحظات بعد انتهاء التحقيق الأولي.
ومن المستجدات البارزة وضع معايير دقيقة للجوء إلى الحراسة النظرية باعتبارها تدبيراً استثنائياً لا يُعتمد إلا لأسباب ستة حصراً، من بينها الحفاظ على الأدلة أو حماية الشهود أو تفادي فرار المشتبه فيه. وتم إحداث سجل إلكتروني وطني للحراسة النظرية يمكن للسلطات القضائية مراقبته عن بعد، بما يحد من أي تجاوز محتمل. كما تم تكريس حق المشتبه فيه في الصمت، والتنصيص على أنه لا يُعدّ اعترافاً بأي شكل، بالإضافة إلى ضمان الاتصال بالمحامي منذ الساعة الأولى للوضع تحت الحراسة النظرية، إلا في حالات قليلة مرتبطة بجرائم خطيرة.
أما الاعتقال الاحتياطي، فقد أحاطه القانون بضمانات صارمة، إذ لم يعد ممكناً إلا بقرار معلل ولأسباب محددة، مع تقليص مدته القصوى في الجنح إلى شهر واحد قابل للتمديد مرة واحدة فقط. كما مُنح المتهم حق الطعن في قرار الإيداع بالسجن أمام هيئة قضائية تبت في الموضوع بشكل مستعجل، ما يعزز الطابع الاستثنائي للاعتقال.
إعلان إشهاري

وفي سياق الشفافية، وسّع القانون حق المحامي في الاطلاع على الملف والحصول على نسخ من وثائقه دون قيود، باستثناء قضايا محددة ذات طابع حساس. وبرز كذلك الاهتمام بحماية السلامة الجسدية للموقوفين، حيث أصبح الفحص الطبي ضرورياً عند وجود قرائن أو بطلب من الدفاع، كما يُبطل الاعتراف إذا رفضت السلطات إجراء الفحص رغم طلبه.
▪︎ نحو عدالة أكثر نجاعة ورقمنة
سعى القانون الجديد إلى تقليص الضغط على المحاكم وتسريع البت في الملفات عبر تعزيز العدالة التصالحية. إذ توسعت مسطرة الصلح لتشمل عدداً كبيراً من الجنح، من بينها النصب وخيانة الأمانة والعنف الخفيف وإصدار الشيكات بدون مؤونة، بشرط موافقة الطرفين. كما أصبح من الممكن إيقاف تنفيذ عقوبة سالبة للحرية بعد صدور الحكم النهائي إذا تنازلت الضحية وتم أداء الغرامات والمصاريف، وهو ما يرسخ توجهاً نحو معالجة النزاعات بشكل مرن وعملي.
من جانب آخر، انفتح القانون على الرقمنة بشكل واضح، سواء من خلال اعتماد المحاضر الإلكترونية والتوقيع الرقمي، أو تمكين المحاكم من تسجيل الجلسات رقمياً وإفراغها في محاضر لها الحجية القانونية. كما تم إدراج إمكانية الاستماع عن بعد للأطراف أو الشهود أو الضحايا عندما تقتضي الضرورة ذلك، بما يوفر الوقت ويقلل من المشاكل اللوجستية.
▪︎ وسائل جديدة لمحاربة الجريمة وتعزيز الأمن القضائي
كرّس القانون صلاحيات إضافية للنيابة العامة في مواجهة الجرائم المعقدة، خاصة تلك المرتبطة بالأموال والجرائم المعلوماتية. فقد أصبح بإمكانها طلب تجميد أو حجز الممتلكات المرتبطة بأفعال جرمية، وإجراء أبحاث مالية موازية لتحديد مصادر الأموال المشبوهة. كما تم توسيع استعمال التقنيات الحديثة في البحث الجنائي، بما في ذلك الخبرة الجينية وتحليل البيانات الرقمية والولوج إلى الأنظمة المعلوماتية وفق ضوابط محددة.
وتُعد آلية “الاختراق” إحدى أبرز المستجدات، إذ تتيح لضابط الشرطة القضائية التظاهر بالمشاركة في نشاط إجرامي قصد فك شبكات الجريمة المنظمة، خاصة تلك المتعلقة بالاتجار بالمخدرات، الإرهاب، أو غسل الأموال. كما تم تنظيم مسطرة التحقق من الهوية بشكل أدق، مع تحديد سقف زمني لا يتجاوز ثماني ساعات قابلة للتمديد، وإمكانية أخذ البصمات الجينية بإشعار النيابة العامة.



