
يواجه المواطن المغريي أزمة حقيقية بسبب زيادة معدلات الفقر والبطالة، وسط ارتفاع كبير في الأسعار وخاصة المواد الغذائية والمعيشية، وفقًا لتقارير وطنية ودولية، فقد بلغت نسبة المغاربة الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى 19.87 بالمئة خلال 2020 مقابل17.1 بالمئة في 2019. وتعتبر الهوة الكبيرة بين الغنى الفاحش والفقر الذي لا يرحم، أحد أغرب المفارقات التي يشاهدها أيّ زائر للمدن المغربية. ففي الوقت الذي يتمتَّع فيه الأثرياء بحياة من البذخ والترف، لا يزال الفقر يجثم على صدور ملايين المغاربة ويضيق الخناق على رقابهم ويطوِّقهم بحزام البؤس والحرمان، وتقف حكومة أخنوش والجهات المعنية مكتوفة الأيدي أمام معاناة الفقراء.
ويُعد المغرب أحد أكثر دول شمال أفريقيا الحاصلة على دعم مالي من المنظمات الدولية بغية دحر الجوع والتخفيف من حدّة الفقر، وبالرغم من ذلك تتخبَّط العديد من الأسر المغربية في الفقر وتصارع المشاكل الاجتماعية والاقتصادية المزمنة.
ولكن عندما يفشل الدعم المالي الدولي وكذا القروض الدولية والسياسات المحلية في وضع حدٍّ للفقر ويتساوى المغرب الغني بالثروات في معدل الفقر مع الصومال وزيمبابوي يتَّضح أنّ هناك خللا كبيرا في السياسات المنتهجة والتي تزيد الفقير فقراً والغني غنى.
من جهته ، سجل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي استمرار وتيرة ارتفاع معدل التضخم بالمغرب على غرار دول العالم، والتأثير الكبير لذلك على القدرة الشرائية للمواطنين، وقدم مجموعة من التوصيات للتخفيف من وطأة الغلاء على المغاربة والاقتصاد.
وجاء على رأس التوصيات الآنية للمجلس؛ توزيع مساعدات تستهدف الفئات الأكثر هشاشة، والإبقاء على الرسوم الجمركية المفروضة على أسعار بعض المنتجات الأساسية المستوردة في مستوى منخفض، وتعزيز مراقبة مدى احترام قواعد المنافسة في مختلف القطاعات، لا سيما قطاعات السلع والمنتجات الأساسية، مع الحرص على أن تكون العقوبات في حالة انتهاك هذه القواعد رادعة بما فيه الكفاية.
وأكد المجلس في اقتراحاته لمواجهة صدمة التضخم أن الزيادات المهمة في الأسعار التي سجلت منذ 2021 تعزى بالأساس إلى عوامل خارجية، إلا أن هذه الوضعية لا تمنع من وجود عوامل داخلية لها تأثير على الأسعار، لاسيما أن الأشهر الثلاثة الأخيرة من سنة 2022 شهدت توسع نطاق ارتفاع الأسعار ليشمل المنتجات غير التجارية.
ومن بين العوامل الداخلية التي رصدها المجلس والتي تؤثر في الغلاء؛ إشكالية ضعف تنظيم الأسواق الخاصة بالمنتجات الفلاحية وتعدد الوسطاء، إضافة إلى شبهة التواطؤ بين شركات المحروقات.
ورغم التدابير التي اتخذتها الحكومة وبنك المغرب في مواجهة التضخم، إلا أن الأسعار استمرت في الارتفاع، ما يقتضي اتخاذ إجراءات مباشرة وذات تأثير أقوى، حسب المجلس.
ومن جملة الإجراءات ذات المدى المتوسط التي أوصى بها المجلس لمواجهة ارتفاع الأسعار؛ الإسراع بتنزيل السجل الاجتماعي الموحد من أجل استهدافٍ أمثل للدعم الموجه للفئات الأكثر هشاشة، ودراسة إمكانية إحداث صندوقٍ دائمٍ للتصدي للصدمات الكبرى.
كما أوصى المجلس باللقيام بالمزيد من الاستثمارات في القدرات الوطنية في مجال تخزين المنتجات الطاقية ودراسة السبل الممكنة لتعبئة قدرات التخزين المتوفرة لدى شركة “سامير”.
وإلى جانب ذلك، أوصى المجلس بإصلاح وتنظيم فضاءات تسويق المنتجات الفلاحية، ودراسة جدوائية إحداث شركة وطنية للشحن البحري، وإحداث مرصد للأسعار وهوامش الربح المتعلقة بالمواد الأساسية.
أرقام صادمة
حسب بيانات رسمية صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط في المغرب، يعاني أكثر من ثلاثة ملايين مغربي من الفقر والعوز، حيث تشتدّ حدّة الفقر في الريف مقارنة بالمدن.
وأفاد تقرير التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية لسنة 2018 أنّ نسبة السكان الذين لا يتعدَّى استهلاكهم 3.10 دولارات للفرد في اليوم قُدِّرت بـ8.2 بالمائة، وهناك 3.1 بالمائة من السكان لا يتعدَّى استهلاكهم في اليوم الواحد 1.90 دولار.
ومن أخطر تداعيات الفقر فتكاً بالمجتمع المغربي نجد ارتفاع حالات الانتحار التي بلغت، حسب تقرير التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، 3.5 بالمائة بين الإناث و7 بالمائة بين الرجال، سنة 2018.
وهناك قصور كبير في البيانات الحديثة حول الفقر في المغرب، فقد فشلت المؤسسات الإحصائية المغربية في تقديم أحدث تلك الإحصائيات إلى مائدة النقاش العام، فنادراً ما تقوم الحكومة بإجراء المسوح الأسرية على المستوى الوطني من أجل تقدير الفقر والدخل والثروة للأفراد، وحتى المسوحات التي يتمّ إنجازها من قبل باحثين مستقلين غالباً ما تكون غير شاملة وتنتهي بتقدير الفقر والثروة واللامساواة بأقل من قيمها الحقيقية، وبالتالي تساهم قلّة هذه الإحصائيات وعدم شفافيتها حتماً في اتّساع الفراغ الديمقراطي، بل أكثر من ذلك تجعل أيّ دراسة حول موضوع الفقر واللامساواة في المغرب منافية تماماً للواقع والحقيقة.
تفاوت توزيع الدخل
يصنَّف المغرب من بين أكثر الدول العربية تفاوتاً في توزيع الثروة والدخل، حيث ما زال المشهد الاجتماعي في المغرب يتَّسم بغياب العدالة الاجتماعية والتوزيع غير العادل للمداخيل والثروة إلى يومنا هذا.
وإن واصلت السلطات على هذا المنوال ستحطِّم المغرب مستقبلاً جميع الأرقام القياسية في اتّساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، حيث توثِّق الإحصائيات المتاحة لدى البنك الدولي حول توزيع دخل الأسر التفاوت الصارخ في توزيع الدخل والثروة في المغرب.
فقد قُدِّر نصيب أفقر 20 بالمائة (الخمس الأدنى على سلم توزيع الدخل) بـ6.7 بالمائة سنة 2013، بينما قُدِّر نصيب أغنى 20 بالمائة (الخمس الأعلى) بـ47 بالمائة سنة 2013، أي أنّ أغنى 20 بالمائة من المغاربة يستحوذون على 47 بالمائة من الدخل مقابل 6.7 بالمائة لأفقر 20 بالمائة من المغاربة، كما بلغ نصيب أفقر 10 بالمائة (العشر الأدنى على سلم توزيع الدخل) 2.7 بالمائة سنة 2013، مقابل 31.9 بالمائة لأغنى 10 بالمائة (العشر الأعلى على سلم توزيع الدخل).

وبكل تأكيد سيكون الأمر أكثر صعوبة إذا ما استمرّت الأوضاع على حالها، خاصّة مع موجة التضخم التي ستجتاح البلاد خلال السنوات القادمة، إذ زاد التضخم إلى 8.3% في نهاية سبتمبر الماضي، على أساسٍ سنوي، مدفوعاً بزيادة أسعار الموادّ الغذائية وتكلفة النقل.
التضخم في المملكة كان سجل ارتفاعاً إلى 8% في أغسطس الماضي ، و7.7% في يوليو، مقارنةً بالعام الماضي.
الهيئة الحكومية المكلفة بالإحصاء في البلاد، أفادت أكتور الماضي بأن أسعار الموادّ الغذائية ارتفعت 14.7%، فيما زادت تكلفة النقل 12.9%، الأمر الذي سيزيد من تآكل القدرة الشرائية ويقوّضها، كما سيفاقم من سوء المستوى المعيشي للمواطن المغربي البسيط أكثر مما هو عليه، وهذا بحدّ ذاته سيؤدي إلى اشتداد الغليان الاجتماعي والاحتقان الطبقي.
كان بنك المغرب قرّر الشهر الماضي رفع سعر الفائدة الرئيسي من 1.5% إلى 2%، في محاولةٍ لكبح جماح التضخم الذي أثّر في القدرة الشرائية للمواطنين.
ولم يرفع “المركزي” سعر الفائدة الرئيسي منذ عام 2008، كما لم يحرّكها منذ شهر يونيو 2020 عندما خفضها بمقدار 50 نقطة إلى 1.5%.
تراهن الحكومة المغربية على تحقيق معدل تضخم بما يعادل 2% العام القادم، وتطمح إلى تحقيق نمو بنسبة 4%، وحصر عجز الميزانية في حدود 4.5%.
المصدر: المغرب الآن