مجتمع

المدرسة المغربية…كفانا من الأوهام

صورة تعبيرية من الأرشيف

الرباط/يومه الإثنين 02 يونيو 2025

سبق أن ناقشنا وتبادلنا الآراء عدة مرات حول موضوع تدهور واقع المدرسة المغربية، وها نحن نعود إلى نفس النقاش بمناسبة الامتحانات وما يعتريها من اختلالات عدة. و كعادة حليمة التي ترجع إلى عادتها القديمة، طفت على السطح الخطابات المملة و السخيفة الصادرة عن الكبار، حول ما أضحى إليه مستوى التلاميذ في يومنا هذا. و كأن المدرسة المغربية كانت في الماضي جنة العلم و المعرفة، و كأن التلاميذ آنذاك (الذين هم نحن الآن) كانوا يستلهمون من منابع الفكر و الحكمة، و كأن المدرس كان يبذل قصارى جهده لتنوير العقول و تشكيل الأجيال، و كأن الامتحانات كانت فرصة للتميز و الإبداع، لا للغش و التزوير. و كأنه كانت لدينا مدرسة مغربية بكل ما تحمله الكلمة من دلالة و معنى.

لكن الحديث عن تدهور المدرسة المغربية، رغم وجود أشكال واضحة لهذا التدهور، يتطلب، كما أرى شخصيا، أكثر من مجرد استحضار الذكريات و الإنطباعات و الأحكام المسبقة، بل يتطلب آليات تحليلية علمية دقيقة تمكننا من مقارنة الماضي بالحاضر بشكل موضوعي. لا أحد يجادل هنا أن المدرسة (في بلدنا و في دول العالم الأخرى) تعرف أزمات كبيرة و حقيقية. بل لا أحد ينكر بان التفاهة، في إطار العولمة، اضحت اختيارا استراتيجيا في المنظومات التربوية بهدف خلق متعلمين محدودي القدرات و المؤهلات، يكتفون بالاستجابة للتعليمات و التوجيهات الممنهجة و المفروضة من الفوق. لكن القول بأن الأجيال السابقة كانت ناجحة في تمدرسها يبدو ساذجا جدا، خاصة إذا علمنا أننا نتحمل نحن أيضا، كآباء و كمربيين، مسؤولية كبيرة فيما آلت إليه اوضاع المدرسة حاليا. ساهمنا، كآباء ومدرسين، في تعزيز منطق الكم المعرفي والساعات الإضافية، وسنحنا الطريق لظهور المدارس الخصوصية، التي تعد واحدة من أكبر الممارسات السلبية في قطاع التعليم ببلادنا.

علينا أن نتخلى على الأقل عن الخطابات البليدة التي توهم بنجاح كبار الجيل السابق في تمدرسنا، و التي تعتمد على الذاكرة الانتقائية و النظرة الرومانسية للماضي. فدور المدرسة اليوم يعرف تحولات عميقة عبر العالم، حيث تغيرت المهارات المطلوبة و تغيرت معها آليات التقييم. اليوم، لم يعد الهدف من التعليم هو حفظ المعلومات و تلقينها، كما كان الحال سابقا، بل أصبح الهدف هو تنمية المهارات و القدرات التي تمكن التلاميذ من فهم التحديات المطروحة في عالم متغير، و التصدي لسياسة التضبيع و التبضيع التي تنهجها المنظومة التربوية. علينا أن نفهم هذه التحولات حتى نساهم، كل منا من زاويته الخاصة، في تطوير العملية التعلمية و التربوية، بدلا من الاكتفاء بالشكوى و النقد السطحي الذي لا يفيد في شيء.

إنه لمن المضحك أن نجد اليوم أطرا (يا لها من كلمة بليدة حين نتأملها!) في ميدان التدريس أو الطب أو القضاء أو المعلوميات يتحدثون عن الجيل الذهبي السابق بافتخار، دون أن يكون لديهم دراية حقيقية لا باللغة ولا بالمعرفة و لا بالمهارات التي تتطلبها متطلبات المرحلة اليوم، ناهيك عن عجزهم عن تطبيق أبسط قواعد النقاشات التي تفرض نفسها على الجميع. جيلنا، نحن الشيوخ، جيل الموظفين البسطاء بامتياز (و ما أدراك ما الموظف وسخافة فكره)، جيل يرتاح في الانغماس في الاوهام و الكذب على نفسه. كنا موظفين ذوي قدرات محدودة، والتقاعد زاد من تقلصها، ومع ذلك لا زلنا نردد أسطورة “كنا و كنتو”، رافضين مواجهة الحقيقة على أرض الواقع.

ما أطيب النوم في العسل، مع الأسف!

 

بقلم جليل

http://www.salidor.com/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى