
الأربعاء 03 شتنبر 2025
مرة أخرى وحسب والي بنك المغرب،فإن السوق النقدية بالمملكة تعرف متغيرات،تمليها الظرفية الإقتصادية للبلد و العالم،حيث عاد النقاش من جديد حول تعويم الدرهم المغربي مع اقتراب عام 2026، بعد مسار طويل بدأ منذ 2018، حين قرر المغرب ولوج طريق التدرج: من نطاق ضيق لتحرك العملة إلى نطاق أوسع، حتى بلغ 5 في المائة اليوم.
وقد مرّت هذه التجربة في ظروف صعبة، واجه فيها الاقتصاد الوطني صدمات متتالية؛ من تداعيات جائحة كورونا، إلى سنوات الجفاف المتعاقب، ثم الاضطراب الكبير في أسعار الطاقة والمواد الأولية. وبرغم كل ذلك، تمكن المغرب من الحفاظ على استقرار مالي ونقدي نسبي، ليصل اليوم إلى عتبة التفكير في خطوة أكثر جرأة: التحرير شبه الكامل لسعر صرف الدرهم.
التعويم لا يعني ترك العملة الوطنية تائهة في الأسواق، بل عملية تقنية معقدة ينفذها بنك المغرب بخطوات محسوبة، تحت رقابة صارمة، وبشراكة مع الفاعلين الإقتصاديين. الهدف أن يخضع الدرهم أكثر لقانون العرض والطلب، بحيث يعكس قيمته الحقيقية في السوق.
هذا فإن الفائدة الأولى لهذا الإصلاح واضحة: إقتصاد أكثر قدرة على إمتصاص الصدمات الخارجية. فبدل أن يظل الدرهم مقيدًا بسعر ثابت ينهك إحتياطيات العملة الصعبة كلما إرتفع النفط أو تقلب اليورو والدولار، يصبح أكثر مرونة في التكيف مع التغيرات الدولية، مما يحافظ على إحتياطي النقد ويمنح الإقتصاد هوامش أوسع.
الفائدة الثانية ترتبط مباشرة بالتنافسية. حين تزداد مرونة العملة، تزداد قدرة الصادرات المغربية على دخول الأسواق العالمية بأثمان تنافسية.
المغرب اليوم يصدر السيارات والطاقة المتجددة والأسمدة والمنتجات الفلاحية، ويطمح إلى أن يتحول إلى قطب صناعي إقليمي. ولكي ينجح في ذلك، يحتاج إلى عملة تعكس دينامية إقتصاده، وتساعد على جذب المستثمرين الذين يبحثون عن إستقرار القواعد ووضوح قواعد اللعبة.
التعويم، مع ذلك، ليس عصا سحرية. فهو يحمل مخاطر، أهمها إحتمال تآكل القدرة الشرائية إذا لم تُضبط العملية بحكمة. تراجع كبير في قيمة الدرهم يعني إرتفاع أسعار السلع المستوردة، وهذا ينعكس مباشرة على المواطن.
لذلك إختار المغرب طريق التدرج، مانحًا الوقت للشركات، وخاصة الصغرى والمتوسطة، للتأقلم مع واقع جديد، وللمجتمع كي يستعد نفسيًا ومؤسساتيًا لهذه النقلة.
بنك المغرب أعلن أنه “جاهز تقنيًا”، لكن الأهم أن يكون الاقتصاد برمته مستعدًا: البنوك، والمقاولات، والهيئات الرقابية، وحتى المستهلك.
صندوق النقد الدولي، من جهته، يرى أن الظرفية ملائمة. التضخم في طريقه إلى التراجع، الإستثمارات تسير بوتيرة صاعدة بفضل مشاريع الماء والطاقة وإستعدادات كأس العالم 2030، والإحتياطيات من العملة الصعبة في وضع مريح.
كلها معطيات تجعل من 2026 محطة مناسبة لإعادة إطلاق ورش التعويم بعد أن توقف مؤقتًا بسبب الجائحة.
يبقى السؤال الذي يطرحه المواطن البسيط: ما الفائدة العملية لهذا الإصلاح؟ الجواب أن التعويم، إذا أُحسن تدبيره، يجعل الإقتصاد أكثر إستقرارًا في مواجهة الأزمات، ويقلل من تقلبات أسعار السلع المستوردة، ويفتح الباب أمام إستثمارات جديدة قادرة على خلق فرص الشغل. وإذا تم التدرج بعناية، يستفيد المواطن من اقتصاد أكثر قوة وقدرة على النمو.
تحرير الدرهم يعبّر عن ثقة المغرب في نفسه وفي مساره الإقتصادي. فالتدرج الذي اعتمد منذ 2018 وفّر صمام أمان، وأتاح وقتًا ثمينًا للتأقلم مع التحولات العالمية.
ومع إقتراب 2026، تبدو خطوة التعويم محطة محسوبة في مسار بلد يربط قيمة الدرهم بأداء الإقتصاد الوطني، ويعزز ثقته في مساره التنموي.
وعلى غرار دول عديدة عبر العالم،كالأرجنتين و تركيا و مصر،فإن تعويم العملة بهذه الدول عرف بعض الأزمات في إقتصادها و هبوط القيمة النقدية للعملة،و تخبط المواطنين في مشاكل متعددة،مرتبطة بالسومة العقارية وكذلك المنتجات المستوردة،التي ستصبح غير متاحة للجميع خصوصا الطبقة المتوسطة،و المحدودة الدخل.
مجلة عائشة+هسبريس